فيلم لافينغ: قصة عاشقين حاربا العنصرية للبقاء معاً
19 مايو، 2016
441 17 دقائق
يمنات – متابعات
يدور أحدث أفلام المخرج جيف نيكولس حول قصة حب بين رجل وامرأة مختلفين عرقيا، يعيشان في خمسينيات القرن الماضي، وينجحان في قهر النزعة العنصرية في المجتمع، حتى يتسنى لهما البقاء معاً. الناقد السينمائي نيكولاس باربر يوضح لنا سبب إعجابه بهذا العمل من مهرجان كان السينمائي.
بوسع المرء أن يعتبر أن فيلم “لافينغ”؛ الذي يعرض حاليا في مهرجان كان السينمائي، العمل الدرامي العذب والجدير بالاحترام للمخرج جيف نيكولس، يشبه من أوجه عدة فيلم “سبوت لايت”، الذي أُنتج العام الماضي. فكلا العملين يدور حول قصة حقيقية، تتناول الكيفية التي قهر من خلالها النشطاء المؤمنون بقضية ما إجحافا مشينا في أمريكا القرن العشرين.
ورغم ذلك فكلاهما يتسمان – وعلى نحو لافت – بالتحفظ في إثارة المشاعر وكذلك بطابع حميمي، فليس فيهما ما هُيئنا لتوقعه من خطب رنانة ترمي لإثارة إعجاب الجمهور، أو مشاهد عنف دموي. بل إن “لافينغ” – الذي أخذ اسمه من لقب شخصيته الرئيسية – هو في واقع الأمر ذو نبرة أكثر هدوءاً؛ تجعل حتى “سبوت لايت” يبدو إلى جواره عملا عنيفا صاخبا، مثل فيلم “المنتقمون : عصر الألترون”.
أما بطلا قصة الفيلم فهما ريتشارد لافينغ (يجسد دوره جو أدغرتُن) وميلدريد جيتر؛ النحيلة وطويلة القامة (وتقوم بدورها روث نيغا)؛ وهما رجل ذو بشرة بيضاء وامرأة سوداء البشرة، كانا يعيشان معاً عن رضا واقتناع، في منطقة ريفية بولاية فيرجينيا الأمريكية أواخر خمسينيات القرن العشرين.
وعندما عرفت ميلدريد أنها حُبلى؛ توجهت مع ريتشارد إلى واشنطن العاصمة، لعقد قرانهما هناك، نظرا لأن الزواج بين مختلفي الأعراق كان محظورا – حينذاك – في فيرجينيا، إذ كان يوصم بأنه “منافٍ لسلام وكرامة الكومنولث” – وهو الاسم الرسمي الذي يُطلق على عدة ولايات أمريكية من بينها فيرجينيا – وذلك بغض النظر عن حقيقة أن السلام والكرامة كانا كل ما ينشده هذان العروسان الجديدان.
وسرعان ما يُقتاد الزوجان إلى المحكمة على يد المسؤول عن الشرطة في المنطقة “المعروف باسم الشريف”، وهو رجل عابس كئيب ذو شخصية تقشعر لها الأبدان (يقوم بدوره مارتن كسوكَس). وهناك يؤكد القاضي أن زواج مختلفيّ الأعراق مُخالفٌ لمشيئة الله.
وبفضل بعض المساومات القضائية البارعة من قبل محاميهما؛ ينجو بطلانا من صدور حكم بالسجن بحقهما، ولكن شريطة انتقالهما للعيش خارج فيرجينيا، والبقاء بعيدا عنها لمدة 25 سنة.
وهنا تتباين ردود فعلهما؛ فـ”ريتشارد”، وهو عامل بناء ماهر، يُوطِنُ نفسه على العيش كـ”أب” و”عائل وحيد لأسرته” في واشنطن العاصمة، أما “ميلدريد” فتصمم على أنهما لا ينتميان سوى للريف بالقرب من أقاربهما، ولذا تغمرها السعادة، عندما يتلقيان عرضا من محامييّن يتبعان الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، للدفاع عن موقفيهما.
صراع هادئ
وهكذا تبدو الساحة وقد حُضرِتْ لمشاهد حافلة بالهجمات العنصرية، وبتبادل الحجج والجدالات المدوية، وكذلك بالانكسارات المُهلكة والانتصارات المُلهمة. ولكن نيكولس (الذي أخرج من قبل فيلميّ مَدْ وميدنايت سبشيال) كان يضع في ذهنه نسيجا دراميا أكثر واقعية ورصانة بكثير.
فقد حرص – مثلاً – منذ وقت مبكر من الفيلم على أن تتضمن أحداثه مشاهد تُظهر ريتشارد وهو يتناول العشاء مع أسرة ميلدريد، وأخرى للزوجين وهما ينعمان بالاسترخاء في منزلهما الساكن المظلم، وهي مشاهد كفيلة بأن تُبقي أيَ شخص شاهد من قبل ولو فيلمٍ واحد من أفلام هوليود، متوترا طيلة فترة عرضها على الشاشة، وهو يحصي الثواني، مُترقباً أن يتخلل هذه المشاهد إلقاء حجر عبر نافذة، أو إطلاق رصاصة، أو انهمار السباب من سيارة مارة.
لكن مخرج الفيلم – وهو كاتبه أيضا – كان يعمد إلى ممازحتنا وتشويقنا وإغاظتنا ليس أكثر. فتلك المشاهد تنتهي في سكينة كما بدأت، وما من غرض منها سوى إظهار الحياة المنزلية البسيطة، التي تعتز بها شخصيات الفيلم.
وعلى أي حال، يحافظ المخرج نيكولس على هذا الطابع المرهف الرقيق، طيلة أحداث فيلمه “لافينغ”. فحتى قبيل نهايته؛ عندما تُحال قضية الزوجين ضد سلطات ولاية فيرجينيا إلى المحكمة العليا الأمريكية، لا يلجأ الرجل إلى الخطابات التقليدية المثيرة، التي تُردد عادة عند الحديث عن حقوق الإنسان.
إذ يُفسح المجال لمحامييّ الزوجين – ذوي المظهر الأنيق المرتب واللذين يجسد دوريهما نيك كرول وجون بَيس – لكي يلقي كلٌ منهما جانبا يسيرا من مرافعته؛ قبل أن يعود بالكاميرا إلى مسكن ريتشارد وميلدريد؛ لنرى الزوجة وهي منهمكة في كي الملابس، والزوج وهو عاكفٌ على ضبط بعض الأشياء في السيارة.
ويبدو هذا العمل شاذا إلى حد كبير عن سواه من الأفلام المماثلة، فيما يتعلق بتحاشيه لأيٍ مما قد يكون ذا نكهة مثيرة للمشاعر بإفراط، أو ذا طابعٍ نمطي تقليدي. وهنا ربما يشعر بعض المشاهدين – عن حق – بأنه لم يكن هناك من ضير من أن تتسم المعالجة الدرامية لقضية تاريخية كتلك التي يدور حولها الفيلم، بطابع عاطفي أكثر وضوحا من ذلك بقليل.
وفي هذا الصدد، من الإنصاف كذلك ملاحظة أن “لافينغ” يكتسي بذاك المظهر البراق الخالي من الشوائب، الذي تصطبغ به الأفلام التقليدية لهوليوود، حتى وإن كان خاليا من لحظات قوة أو ضعف ذات طبيعة دراماتيكية.
ولكن يتعين على المرء احترام التحفظ الذي يتسم به أسلوب نيكولس في الكتابة والإخراج، والذي يبدو أنه مستلهم من شخصيتيّ بطله وبطلته مقتضبيّ الحديث، ومن أولويات كل منهما. فـ”ريتشارد” و”ميلدريد” لا يحاولان إلحاق الهزيمة بالنظام الاجتماعي القائم، أو تغيير العالم؛ فكل ما يريدانه لا يعدو البقاء معاً.
بجانب ذلك، فإذا كان من الممكن اتهام الفيلم بخفوت نبرته أكثر من اللازم؛ فإن الأداء التمثيلي لشخصياته الرئيسية؛ يعبر عن نفسه جلياً حتى دون كلمات.
فرغم أن “أدغرتُن” (41 عاما)، أكبر بعقد كامل من عمر الشخصية التي يجسدها في الفيلم، فإنه ينجح في تحويل نفسه – وبشكل مقنع – إلى فتى ريفي شديد المراس، يتسم باليقظة والتحفظ في الوقت نفسه، ويجد أن من المؤلم فعليا أن يصبح المرء في دائرة الضوء.
ومع أن أكثر جُمَلِهِ الحوارية المشحونة بالمشاعر والعواطف في الفيلم لا يزيد طولها عن ست كلمات، إلا أنه ينجح في أن يجعل لكل كلمة منها وقعاً خاصاً.
لكن ذلك لا يُقارن بأداء الممثلة “نيغا” البارع ومرهف الحس، والذي يثير إعجابا أكبر. فهي “ميلدريد”؛ صاحبة الشخصية الأكثر فعالية مُقارنةً بزوجها؛ إذ أنها من يقرر الشروع في المعركة القانونية بل ومواصلتها، حتى عندما أدى ذلك إلى أن يُحدِقَ الخطر بالأسرة بأكملها.
ولكن “نيغا”، وهي ممثلة آيرلندية – أثيوبية، تقدم أداءً متوازنا؛ تجتمع فيه شجاعة ميلدريد وقدرتها على التكيف، مع تواضعها العذب الممزوج بحديثها اللبق.
في نهاية المطاف، ربما لا يقتنص “لافينغ” جائزة أوسكار أحسن فيلم، كما سبق وفعل “سبوت لايت”، ولكن لا ينبغي لأحدٍ أن يُفاجأ، إذا ما فازت “نيغا” بأوسكار أحسن ممثلة عن دورها في هذا الفيلم.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا